اخبار محلية

مزارعو التبغ في القرى الحدودية: هل نزرع البحر

مع نهاية شهر رمضان وانقضاء أكثر من نصف شهر نيسان الجاري، أقفَلَ مزارعو التبغ في القرى الجنوبية الحدودية، ملفّ زراعة أراضيهم. إذ كانوا ينتظرون إعلان هدنة خلال رمضان، تتوقّف خلالها عمليات القصف إثر الحرب المستمرة في الجنوب، وتؤمِّن الهدنة للمزارعين الغطاء لزراعة شتول التبغ. لكن الهدنة لم تُعلَن والشتول لم تُزرَع. فهل يمكن إنقاذ موسم التبغ هناك؟ وماذا يفعل المزارعون الآن؟

محاولات استباقية
على أمل الهدنة أو انتهاء الحرب، بادرت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية “الريجي”، مطلع العام الجاري، إلى “زرع بذور تبغٍ في أراضٍ تابعة لها، تعتزم توزيعها، على مزارعي التبغ من أبناء المناطق الحدودية، عندما تصبح شتولاً”. والخطوة الاستباقية التي أطلقت عليها الريجي إسم “المبادرة الإنقاذية”، من شأنها مساعدة المزارعين على توفير مستلزمات البقاء في أرضهم.
وأيضاً، طلبت نقابة مزارعي التبغ في الجنوب، من أبناء القرى غير الحدودية “زراعة شتول إضافية، تُعطى لمزارعي القرى الحدودية الذين لم يتمكنوا من زراعة البذور”، وفق ما أكّده رئيس نقابة مزارعي التبغ في الجنوب حسن فقيه، الذي أشار في حديث لـ”المدن”، إلى أن “هذه المحاولات كانت لكسب الوقت. لكن بما أن الهدنة المفترضة لم تحصل، فات الوقت ولم يحضِّر المزارعون أرضهم لزراعة الشتول”.

الخطوة الاستباقية “لم تكن على قدر التوقعات، حتى وإن كانت الهدنة قد أُعلِنَت في الفترة المفترضة”. فحسب مُزارع التبغ من بلدة عيترون الحدودية، عماد عواضة، فإنه “كان من المفترض حسب المبادرة الانقاذية إعطاء كل مزارع 4-6 صناديق تحتوي على الشتول، في حين أن كل دونم أرض يحتاج إلى نحو 7 صناديق”.
عواضة الذي كان قد جهّز أرضه قبل الحرب، بات نازحاً في قضاء صور “وعاجزاً عن زراعة الأرض”. ولأن وقت الزراعة قد فات، يؤكّد لـ”المدن”، أن موسم التبغ لهذا العام قد انتهى.

الزراعة في البحر
جوهر مشكلة مزارعي التبغ في المناطق الحدودية، هو غموض مصيرهم. فاستمرار الحرب وعدم معرفة مساراتها وكم من الوقت قد تستمر، يربك المزارعين النازحين. فالمبادرة التي أطلقتها الريجي واحتمالات إكمال الموسم بطريقة طبيعية، ولدت ميتة. وبنظر عواضة، لم يكن هناك فرصة لزراعة الشتول في ظل غياب الأرض “فهل يمكن أن نزرع الشتول في البحر؟”. يقول عواضة إن “أغلب مزارعي القرى الحدودية باتوا نازحين في المناطق وليس لديهم أي أرض لزراعتها، وبالتأكيد لن يزرعوا البحر”.

الخطوة التالية بالنسبة إلى عواضة هي “البحث عن طريقة للتعويض على المزارعين”، ليس فقط بمبلغ تقديري لحجم عائدات كل مزارع من الموسم، وإنما “لحجم خسارته لموسم التبغ وللمصاريف التي تكبّدها خلال فترة النزوح”. ومن غير المنتَظَر بحسب عواضة، أن تعوِّضَ الدولة على المزارعين بالقيمة الفعلية التي خسروها ويخسرونها مع مواصلة الحرب. ومسألة التعويضات، طرحتها النقابة مع المدير العام لأوجيرو ناصيف سقلاوي، وأكدت النقابة بحسب فقيه، على “ضرورة التعويض على المزارعين. ولا حلّ في هذا الملف إلاّ ان تعوِّض الدولة عليهم فور انتهاء الحرب”.
لا يعوِّل عواضة على التعويضات المفترضة، “لأنها ستطال مَن يملكون رخصة لزراعة التبغ، في حين أن الكثير من المزارعين لا يملكون رخصة بأسمائهم، بل يبيعون إنتاجهم على اسم صاحب رخص أخرى”، أي يعطون إنتاجهم لمزارع يملك رخصة تبغ، ويبيعها المزارع على أنها ملكه.

كما أن التعويضات ستشمل مبلغاً معيناً لكل رخصة “وهناك مزارعين يملكون أكثر من رخصة ويزرعون مساحات كبيرة من الأراضي، فهل سيتم التعويض عليهم انطلاقاً من رخصة واحدة؟”.
المعضلة التي يواجهها المزارعون النازحون، وتحديداً مزارعي التبغ، هي استحالة ممارسة مهنتهم في أي منطقة أخرى من خلال استئجار أراضٍ وزراعتها، أو استئجار بساتين. فالتبغ “يحتاج إلى عناية مستمرة. وإذا استأجرنا قطعة أرض وزرعناها وحصل وقف لإطلاق النار أو انتهت الحرب، فعلينا العودة إلى قرانا، وبالتالي سنخسر الموسم. فضلاً عن أن لا امكانيات مادية لدى المزارعين على الاستئجار. وكذلك، زراعة التبغ تحتاج إلى معدّات موجودة في قرانا، ولا يمكن شراء معدات جديدة”.

وفي ظل هذا الواقع “زَرَعَ اثنان من قرية عيترون أرضهم غير المتاخمة للحدود مباشرة، وكذلك زُرِعَت أراضٍ في رميش، لكن في باقي القرى التي تعطي كمية إنتاج كبيرة، مثل عيناثا ومارون الراس وبليدا، فهي أيضاً مأزومة، إذ لا زراعة فيها

مَن المستفيد من زراعة التبغ؟
في ظل ارتفاع تكاليف العمل، ورادءة عائدات القطاع الزراعي، خصوصاً التبغ.. وفي معرض الغموض الذي يدور حول هذا القطاع، يصبح التساؤل مشروعاً عن مغزى استمراره ما لم يؤمِّن مصالح طبقة معيّنة من الناس، وبالتأكيد، ليسوا المزارعين، بل هم “دوائر صناعة التبغ” في العالم، الذين يستغلّون شعارات رنّانة أُدمِجَت مع خطابات أيديولوجية هدفها السيطرة على المناطق والجماهير.

وتقول منظمة الصحة العالمية أن “دوائر صناعة التبغ، تنشر أساطيرَ حول الأهمية الاقتصادية لزراعة التبغ. فيما الحقيقة أن عدداً كبيراً من الاقتصادات المنتِجة للتبغ تواجه انعدام الأمن الغذائي، وتعتمد على بلدان أخرى للحصول على الغذاء وتستخدم هذه الاقتصادات العملات الأجنبية المكتسبة من تصدير أوراق التبغ لشراء الغذاء حينما لا تتوافر لديها الأراضي اللازمة لزراعة الغذاء بنفسها”.
وعوضَ تعزيز قدراتهم الاقتصادية والاجتماعية، تساهم زراعة التبغ، وفق المنظمة، في “تكريس عدم المساواة بين الجنسين وغالباً ما تستغل عمل الأطفال. وغالباً ما تكون النساء هنَّ العاملات الرئيسيات في مزارع التبغ ويضطررن إلى العمل في نوبات طويلة في المزارع بالإضافة إلى أداء الأعمال المنزلية الروتينية ورعاية الأطفال. وغالباً ما يتغيب ما يقدر بنحو 1.3 مليون طفل من الأسر المعيشية الفقيرة عن الدراسة لدعم ممارسات أسرهم في مجال زراعة التبغ”، ناهيك عن المخاطر الصحية التي يتعرّض لها النساء والأطفال، جراء تنشّق المبيدات المستعملة لرشّ التبغ للتخلّص من الآفات التي تصيب تلك النبتة، فضلاً عن المواد الكيميائية الضارّة والنيكوتين.

انتهى الأمر بمزارعي تبغ الجنوب بوداع موسمهم لهذا العام، في حين أن حياة مزارعي التبغ حول العالم، ينتهي أمرهم إلى “الوقوع في فخ حلقة مفرغة يصبحون فيها تابعين لدوائر صناعة التبغ أو مجموعاتها الأمامية”. وإذا كانت بعض الدول تعوِّض على مزارعيها، وتطالب النقابات بحقوقهم، إلاّ أنه في لبنان لا كلمة فوق الكلمة السياسية، عِوَضَ الكلام التنمويّ. والتعويضات الهشّة جاهز دوماً لإسكات الألسُن.

خضر حسان – المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com