نصحٌ صريح” من وزيرة خارجيّة كندا… وتوجّس حربيّ
حطّت الطائرة التي أقلّت وزيرة خارجية كندا ميلاني جولي في مدرج مطار بيروت الدوليّ حيث قامت بجولة على قوى سياسية لبنانية متنوّعة الانتماءات، في مرحلة شاهدة على زيارات ناشطة للوفود الديبلوماسية الخارجية التي تبحث تطورات الأوضاع على مستوى لبنان والمنطقة في خضمّ الاندلاع الحربيّ في قطاع غزّة وتأثيراته من ناحية المناوشات القتالية الناشبة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
وحرصت رحلات الديبلوماسيين الدوليين إلى الداخل اللبنانيّ في الأشهر الأخيرة على بحث السبل الممكنة لإنهاء الاشتعال الحدوديّ وإعادة الاستقرار إلى الجنوب اللبنانيّ والمستوطنات الإسرائيلية على حدٍّ سواء، فيما شكّل هذا الملفّ عنواناً أساسيّاً على نطاق المباحثات التي أجرتها الوزيرة الكندية في جولتها أيضاً وفق معطيات “النهار”، من خلال تداولها مع من التقتهم بشكلٍ خاصّ في هواجس الوضع الأمني المتفاقم والترجيحات الممكنة حول المرحلة اللاحقة. وإذ يطرح التوجّس الأمنيّ كلّ الاستفهامات على طاولة المشاورات مع القوى السياسية، كانت الوزيرة الكندية مستمعة بشكلٍ أساسيّ للخشية اللبنانية من احتدامٍ أكبر للمعارك القتالية. وإذ تبقي الهواجس الأمنية كلّ الاحتمالات ممكنة جنوب لبنان، بدت الوزيرة ميلاني جولي وكأنّها تبحث عن استفسارات مع الأخذ في الاعتبار أوضاع المواطنين الكنديين الموجودين في الداخل اللبناني وإمكان إجلاء الرعايا في حال نشوب حرب شاملة، حيث قالت الوزيرة في لقاء عقدته إنّ الحرب الشاملة ليست بعيدة ويمكن أن تنشب في لبنان بعد انتهاء إسرائيل من عملياتها العسكرية في قطاع غزّة إذا لم تنجح السبل الديبلوماسية للحلّ. وهي ستتوجه إلى قبرص للبحث في الترتيبات الممكن اتخاذها إذا تقرّر لاحقاً إجلاء الرعايا الكنديين.
تداولت مشاورات الوزيرة الكندية مع السياسيين اللبنانيين الذين التقتهم في التطورات السياسية أيضاً، وبخاصّة استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، مع ثناء أعربت عنه لناحية المحاولات التي تبديها “اللجنة الخماسية” بحثاً عن حلول تنهي حال المراوحة الرئاسية. ولم تغفل التوصيات التي أكّدت عليها في لقاءاتها أهمية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات بهدف إدارة المفاوضات في ملفّ الحرب التي تلوح أكثر في الأجواء اللبنانية.
وكذلك، كان لزيارتها “أريج ثقافيّ” بعيداً عن تفجّر الأوضاع الحربيّة، عندما أكّدت على أهمية التعدّدية الثقافية والدينية والمناطقية الموجودة في لبنان والتي تتشابه مع التعدّدية الكندية، مع إبداء الحرص على الجالية اللبنانية الموجودة في كندا وعلى علاقات التعاون بين البلدين. وعقدت الوزيرة ميلاني جولي لقاءات خاصّة في فحواها إلى جانب اجتماعها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومباحثاتها مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حيث التقت الرئيس أمين الجميّل في اجتماع بطابع مهمّ إضافة إلى اجتماع آخر مع النائبات في البرلمان اللبنانيّ. كما عقدت لقاءً له بعده الاجتماعيّ مع زوّار مناطقيين.
وإذ طرحت الوزيرة الكندية استفهامات خلال اجتماعها مع الرئيس أمين الجميّل، كانت مستمعة لهواجسه الحربية والتحليل الذي أبداه. وسألته عن استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية انطلاقاً من دراستها المسبقة للأوضاع اللبنانية. من ناحيته، أكّد الرئيس الجميّل، بحسب ما استقته “النهار”، على ضرورة التوصّل إلى حلّ في موضوع انتخابات الرئاسة على أن يتبلور ذلك من خلال تراجع “حزب الله” عن إملاءاته التي يهدف من خلالها لانتقاء رئيس للجمهورية بنفسه من دون قدرته على ذلك، فيما من الأهمية الأخذ في الاعتبار الأصوات الرئاسية التي استطاعت قوى المعارضة حصدها في الجلسات الرئاسية السابقة.
والحال هذه، لا بد من الاتفاق على طرح ينطلق من فكرة المرشح الثالث لانتخابات الرئاسة، لأنّ ليس هناك من يحوز الأكثرية من القوى السياسية في المجلس النيابيّ الحاليّ. وقال الجميّل إنّه من الضروريّ فصل المناوشات جنوب لبنان عن الحرب الناشبة في غزة، وفصل حرب غزة عن انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، مع تداوله في واقع الأوضاع حيث لا تحوز الحكومة اللبنانية قرار السلم والحرب. توازياً، رحّب الرئيس أمين الجميّل بالتعاون اللبنانيّ الكنديّ في مجالات متنوّعة.
اجتماع كان له خصوصيّته أيضاً، عقدته وزيرة الخارجية الكندية مع النائبات في البرلمان اللبنانيّ غادة أيّوب، بولا يعقوبيان، نجاة صليبا، عناية عزّ الدين وحليمة القعقور. وإذ واكبت “النهار” توصيات اللقاء، تبيّن أنّه كان صريحاً للغاية لناحية ما صدر عن الوزيرة الكندية التي لوّحت أمام النائبات اللبنانيات في أنّ الحرب الشاملة تقترب كثيراً، ما أثار بعض الدهشة على نطاق النائبات اللواتي حضرن المشاورات. وما كان من الوزيرة الكندية إلّا أن ردّت في إشارتها إلى أنها تقول الحقيقة وستبحث مع الدولة القبرصية في كيفية إجلاء الرعايا الكنديين إذا تفاقمت الأوضاع.
وأضافت الوزيرة الكندية أنّها تحاول المساندة في حلّ لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، مع أهمية إنهاء المراوحة في الاستحقاق الرئاسي بهدف إدارة المفاوضات وملفّ الحرب. ولا بدً في تأكيدها من حكومة بصلاحيات تعطي تعليماتها للجيش اللبناني بهدف الانتشار جنوب لبنان. وهي حاولت أن ترسّخ أهمية انتخاب رئيس للجمهورية في اجتماعها مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
وعندما التقت النائبات اللبنانيات، وجّهت الوزيرة ميلاني جولي سؤالاً حول إذا كان هناك ما يجمع النساء البرلمانيات خارج النطاق الحزبيّ، فيما تمحورت الإجابات حول إمكان التلاقي في ملفات اقتصادية أو اجتماعية، لا سياسية. وسألت الوزيرة الكندية النائبات عن جدوى العقوبات على بعض المسؤولين اللبنانيين، حيث تنوّعت الإجابات التي أكّدت في مجملها أنّ العقوبات أكثر ما يخشاه السياسيون الفاسدون في لبنان. وكان الاجتماع مع النائبات اللبنانيات حيوياً لناحية الصراحة في التحدّث.
“النهار”- مجد بو مجاهد