أسرار مثيرة عن أنفاق جنوب لبنان.. بعضها مُفاجئ جداً
تصدرت الأنفاق، بصفتها سلاحا استراتيجيا، عناوين الحرب بين حماس إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته الحركة على مناطق إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، حيث وضعت حكومة بنيامين نتانياهو تدمير شبكة أنفاق الحركة ضمن أهدافها الرئيسية.
ومع التوغل البري الإسرائيلي في الداخل اللبناني، عاد الحديث عن حرب الأنفاق إلى الواجهة بعد أن عرض الجيش الإسرائيلي مشاهد قال إنها داخل أنفاق حزب الله، فماذا عن تاريخ هذه الأنفاق في لبنان؟ وكيف سخرها الحزب في مواجهة إسرائيل؟ وهل أصبح هذا التكتيك سلاحا بحدين للحزب بعد مقتل أمينه العام حسن نصرالله في ملجأ محصن تحت الأرض.
2006.. أصل الحكاية
ترجع التقارير بناء الأنفاق في لبنان إلى خمسينات القرن الماضي، حيث استخدمت لنقل المؤن قبل أن تصبح سلاحاً استراتيجياً.
وعمل الفلسطينيون أنفسهم، رجالاً ونساء في حفر هذه الأنفاق ومنها نفق كفرحلدا في البترون اللبناني حسب بحث لروزماري الصايغ بعنوان “الفلسطينيون من فلاحين إلى ثوار”.
وفي الستينات، اكتسبت الأنفاق أهمية استراتيجية بالنسبة للفلسطينيين في غرب بيروت، حيث ربطت بين تل الزعتر والكارنتينا.
ويشير كتاب فرنسي بعنوان “إشاعات حرب لبنان: خطابات العنف” (Les rumeurs dans la guerre du Liban: Les mots de la violence) إلى “أنفاق في تل الزعتر لاخفاء الماء والسلاح لكنها لم تصلح للحياة، ونفق يربط تل الزعتر بالمخيمات في منطقة الكارنتينا” في الحقبة نفسها.
الأمر هذا يؤكده أرشيف الأخبار من الثمانينات، حيث يذكر خبر نقلته يونايتد برس (United Press International) بتاريخ 7 تشرين الأول 1982، عثور “الجيش اللبناني على شبكة معقدة من الأنفاق التي بناها مقاتلون فلسطينيون للاحتماء من الهجمات الإسرائيلية ولإخفاء كميات هائلة من الإمدادات العسكرية”.
وحينها، علق ضابط لبناني بالقول إن هذه الأنفاق ربما ليست بجديدة، مؤكدا في الوقت نفسه عدم وجود خرائط متوفرة لهذه الشبكة: “نحن لا نعرف كم يبلغ طول هذه الأنفاق، بعضها جديد وبعضها قديم وليس لدينا خرائط. ربما تكون مفخخة.. من يدري؟”.
وحسب التقرير، “ربطت هذه الأنفاق المبطنة بالخرسانة، التي يمتد أحدها لمسافة ميلين من غرب بيروت إلى جنوبها، بين معاقل الفلسطينيين في المدينة والمخيمات الثلاثة للاجئين جنوب بيروت – صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة.
وشاهد المراسلون الذين قاموا بجولة في الأنفاق مخابئ ضخمة مملوءة حتى السقف بمتفجرات حديثة تتراوح من صواريخ غراد الروسية إلى قذائف الهاون والهاوتزر الأميركية (…) ولم يتجاوز ارتفاع بعض الممرات ثلاثة أقدام، في حين كانت ممرات أخرى كبيرة بما يكفي لإخفاء ما يصل إلى 8 شاحنات صغيرة.
كذلك، عثر في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين على 8 مداخل للأنفاق، ويؤدي مدخلان إلى مخابئ مليئة بأكثر من 500 صندوق من قذائف المدفعية المصنعة في كوريا الشمالية وقذائف الهاون الأميركية.
ولم يكن معروفًا ما إذا كان المدنيون الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين على دراية بالمتاهة، أو عدد الذين احتموا بداخلها”.
أما في مخيم شاتيلا قرب الاستاد الرياضي بالمدينة، فإن “الأبواب الفولاذية تؤدي إلى أسفل منحدر رملي يصل إلى نفق يبلغ ارتفاعه عشرة أقدام، وهو يتسع لسبع أو ثماني شاحنات صغيرة.
وفي أسفل المنحدر، يضيق النفق ويتحول إلى مخبأ عرضه ثمانية أقدام، والأرضية هناك عبارة عن ممر خشبي.
ووجدت في النفق عشرات الصواريخ السوفييتية من طراز غراد مكدسة على الحائط في صناديق خشبية وما لا يقل عن 50 صندوقًا يحتوي على قنابل دخانية وقذائف مدفعية من عيارات مختلفة وقنابل الهاون.
وفي الجنوب اللبناني، ارتبطت سيرة الأنفاق بحزب الله، ولكن إسرائيل اختبرت عن قرب معركة مصغرة للأنفاق حيث واجهت الفرار الكبير لسجنائها في أكبر عملية في العالم هروب للأسرى من سجن أنصار في 8 آب 1983، حيث فر أكثر من 30 سجينا حفروا بالملاعق والسكاكين نفقا بين سجنهم ومنطقة خارج الأسلاك الشائكة.
واتُهمت إسرائيل بدورها في الثمانينات (1983) بحفر أنفاق عقب احتلالها الجنوب اللبناني، “لربط النهر من باطن مجراه بالأراضي المحتلة في الجليل ليتسنى لبعض مياهه التي يشك بأنها تتراوح بين 100-500 مليون م3 بالجريان نزولا إلى الأراضي المحتلة (…) وادعاء وجود ارتباط جيولوجي جوفي بين الليطاني وروافد الأردن (…) وللمطالبة بحصتها من النهر المعترف به دوليا”، وذلك وفق ما يقوله بحث للدكتور محسن محمد صالح في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني (2018-2019).
أما عن أنفاق حزب الله، فتشير التقارير إلى تصاعد وتيرة بنائها في 2006 وتحديدا بعد “حرب تموز” بتنسيق وثيق بين إيران وكوريا، وهذا يجعلها أقدم من الأنفاق في غزة والتي بنيت في الأصل مع مصر بهدف التغلب على الحصار الاقتصادي المصري والإسرائيلي على القطاع عام 2007.
وتتألف أنفاق الحزب من شبكة أخطبوطية وفقا لتقرير أصدرته مؤسسة “ألما” البحثية الإسرائيلية عام 2021، وتمتد حتى سوريا حسب صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية وحاول الحزب الوصول حتى إسرائيل، كما يبدو من الأنفاق الهجومية التي عثر عليها في كانون الأول 2018 أسفل الخط الأزرق (بحث أميركي بعنوان The Coming Conflict with Hezbollah).
وضمن لبنان نفسه، عشرات الكيلومترات التي تربط بين مختلف المناطق الفرعية داخل جنوب لبنان وبين ثلاث مناطق استراتيجية لحزب الله:
1- منطقة ضاحية بيروت – المقر المركزي لحزب الله.
2- منطقة البقاع – العمود الفقري العملياتي اللوجستي لحزب الله.
3- جنوب لبنان – المواقع الدفاعية لحزب الله.
وتستخدم الأنفاق لغايات مختلفة يمكن تلخيصها بالأهداف العسكرية واللوجستية.
فعلى صعيد الأهداف العسكرية، تعمل الأنفاق كصلة وصل بين المناطق وتسمح بنقل الأسلحة أو إطلاقها بما أنها مزودة بمنصات مخصصة لبعض الصواريخ.
كذلك، فإنها تعمل كمصدر إنطلاق وتخفي للمسلحين، وقد أشارت صحيفة “تايمز” الإسرائيلية في سياق حرب الأنفاق إلى “محاربة الأشباح” في إشارة إلى مسلحي حماس، وتكرر هذا التوصيف في إطار الحرب اللبنانية.
أما على المستوى اللوجستي، تستخدم الأنفاق لربط مراكز القيادة وهذا ما رأيناه في الضاحية مع استخدام صواريخ تصل إلى عمق 40 مترا تحت الضاحية الجنوبية لبيروت لبلوغ مكان تواجد قيادات حزب الله.
من الأنفاق البدائية إلى مدينة الصواريخ
تطورت أنفاق حزب الله من الشكل البدائي المعروف بقطر ضيق يكفي لتحرك الأفراد إلى أنفاق متطورة ومؤهلة لتنقل الشاحنات، وهذا ما يمكن استنتاجه من مقارنة بسيطة بين نموذج لنفق يعود لـ”حرب تموز 2006″ وفره حزب الله في مجمع سياحي للحزب الله في مليتا في جنوب لبنان عام 2010، وفيديو يعرض نموذجا للأنفاق الحديثة للحزب نشره هذا الأخير بعنوان “جبالنا خزائننا” في آب 2024.
وترجح خطة اقترحها الجنرال الإسرائيلي، أمير أفيفي، أن منافذ الأنفاق قريبة من منازل منفذي الهجمات.
ويحدد في كتابه بعنوان “لا انسحاب: خطة لحفظ إسرائيل للأجيال القادمة” (No Retreat: How to Secure Israel for Generations to Come) الذي استوحى فيه من أنفاق حماس أن “النفق على بعد مسافة قصيرة سيرا على الأقدام، فيتسلسل المهاجم داخل النفق ويتوجه حتى موقع الإطلاق. وفي الوقت المحدد، يقوم بإطلاق وابل من الصواريخ قبل أن يتخفى مجددا فيها”.
أنفاق حزب الله في جنوب لبنان كانت ذات أسقف عالية بما يكفي للمشي تحتها، وأنظمة تهوية وإضاءة وحمامات.
ووفق أفيفي، فقد “تم بناء عشرات المخابئ القيادية داخل الشبكة، مقسمة إلى غرفتين أو ثلاث غرف لكل منها”.
وتغير شكل النفق وازداد تعقيدا عبر السنين، حسب ما يظهر فيديو “جبالنا مخازننا” الذي نشره حزب الله المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة، حيث ما عادت الأنفاق دفاعية حصراً بل ازدادت شبكتها تعقيداً ومعها دورها ليصبح هجومياً أيضاً.
وحسب الفيديو، تتسع الأنفاق لمرور قوافل الشاحنات والدراجات النارية كما تتضمن مخازن أسلحة ومنصات لإطلاق صواريخ من نوع “عماد 4”.
وتظهر كعالم مواز تحت الأرض، حيث تتميز بالإضاءة والتهوئة، ووصفتها وكالة “مهر” الرسمية الإيرانية بـ”مدينة الصواريخ” في الجنوب، بينما شبهها تقرير لشبكة “فوكس نيوز” الأميركية بـ”مترو الأنفاق”.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في كانون الثاني 2019 اكتشاف وتدمير “أنفاق هجومية عبر الحدود”، بعضها تحت قرى حدودية لبنانية تعرضت مرارا لهجمات دون أن تدمر.
كذلك، حذر تقرير إسرائيلي من قدرة هذه الأنفاق على التحول لمقبرة لأي منشأة قد يتم حفرها تحتها.
وأكد مهندسان إسرائيليان في تقريرفي حزيران 2023 بموقع مؤسسة “ألما”، تعويل حزب الله على الأنفاق لإحداث قدر كبير من الدمار، أحيانا من خلال إحداث فراغات.
ولفت المهندسان في هذا السياق، إلى أن “حفر الأفاق تحت سلسلة جبال راميم المطلة على كريات شمونة كفيل بالتسبب بانهيار أجزاء من الجبل وتعريض المواطنين ومنازلهم للخطر”، وأضافا: “لذلك، يركز الحزب على دخول وحدة الرضوان الجليل باستخدام الأنفاق المليئة بالمتفجرات”.
كذلك، نقل تقرير أميركي في “واشنطن بوست “نهاية أيلول الماضي عن مهندسين وخبراء استراتيجيين إلى أن حزب الله حفر أنفاقا مباشرة إلى داخل إسرائيل. (ال