عرضٌ أخير لإيران… قبل الضّربة
بعثت الولايات المتحدة برسالة أخيرة إلى إيران تدعوها لاغتنام فرصة لوقف الصراع على كل الجبهات الإقليمية عقب مقتل يحيى السنوار في غزة، في حين حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في ردّ ضمني على الرئيس الأميركي جو بايدن من أن كل من يعرف موعد وكيفية الضربة الإسرائيلية المرتقبة ضد بلده سيحاسب.
وكشف مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن الأميركيين بعثوا برسالة جديدة إلى الإيرانيين عقب مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار، الخميس الماضي، مفادها أن هناك فرصة لوقف كل الصراعات في المنطقة، وأن بإمكان طهران أن تقرر إن كانت تريد التعاون لوقف الحروب والتصعيد أو تكون على جهة أخرى.
وذكر المصدر لـ «الجريدة» الكويتية، أن الأميركيين أكدوا في الرسالة أنه إذا ما أوقفت طهران والمجموعات الإقليمية الموالية لها الهجمات ضد إسرائيل، فإنه باتت هناك فرصة لإقناع الدولة العبرية بضرورة وقف الحرب، والجلوس على طاولة مفاوضات تفضي إلى صيغة دبلوماسية لإنهاء الأزمة. وبحسب الرسالة التي وصلت، عصر أمس الأول، للإيرانيين، فإن واشنطن وإلى جانبها دول أوروبية مستعدة للتوسط ولضمان أي اتفاق دبلوماسي يتم التوصل إليه. وأوضح أن الأميركيين أشاروا في رسالتهم إلى أن الإسرائيليين لا يمكنهم التخلي عن الرد الانتقامي المرتقب على الهجوم البالستي الإيراني الأخير، وأن الفرصة باتت ضيقة جداً للتوصل إلى سيناريو لا يستوجب رداً إيرانياً لاحقاً.
واقترحت واشنطن أن تقوم طهران بإخلاء عدد من القواعد العسكرية والأمنية التابعة لـ«الحرس الثوري» و«الباسيج» وتقوم تل أبيب باستهدافها وينتهي الأمر. ولفت إلى أن الرسالة حملت تهديداً بأنه في حال لم يتم التوصل إلى سيناريو معد فإنه يمكن أن تقوم إسرائيل بأي عمل تراه مناسباً وحينها يكون هناك ضحايا وأضرار كبيرة. وذكر أن واشنطن شددت على أنها لن تشارك أو تتعاون في تنفيذ الضربة خصوصاً إذا قبلت طهران التوصل إلى تفاهم معد مسبقاً بشأنها، لكنها في الوقت نفسه جاهزة للدفاع عن إسرائيل إلى جانب الشركاء الدوليين والإقليميين في حال حاولت الجمهورية الإسلامية توجيه رد على ضربة غير معدة مسبقاً.
وأوضح أن الأميركيين أشاروا إلى أن التوصل إلى صيغة دبلوماسية لإنهاء القتال وتهدئة المنطقة يمكن أن يمهد لتفاهم حول عودة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني. وبيّن المصدر أن الرسالة نقلت إلى مكتب المرشد علي خامنئي أمس، لاتخاذ القرار بشأنها.
من جانب آخر، أكد مصدر في قيادة الأركان الإيرانية أنها أصدرت تعميماً لكل المجموعات المسلحة الإيرانية كي يخلوا منازل الضباط في المجموعات السكنية العسكرية، بعموم البلاد، قدر الإمكان، وأن يتجنبوا إرسال أولادهم للمدارس العسكرية لأي سبب، حيث تم التوجيه بتعطيل العمل بكل المدارس والجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث التابعة للقوات المسلحة حتى إشعار آخر. ولفت إلى أن الاستنفار العام ما زال سارياً على أعلى المستويات داخل القوات المسلحة للتصدي للهجوم الوشيك، وقال إن الإيرانيين حصلوا على معلومات أمنية تؤكد أن الإسرائيليين طوروا صواريخ بالستية خاصة لهم لأجل استخدامها ضد طهران وأنهم قاموا بتجهيز رؤوس هذه الصواريخ منذ يومين.
جاء ذلك في وقت تجهل السلطات الإيرانية النقاط المحددة التي تحضر إسرائيل لاستهدافها مع عدم استبعادها أن تلجأ الأخيرة إلى قصف منشآت أمنية وعسكرية، إضافة إلى أصول اقتصادية وبنية تحتية، أو حتى شخصيات سياسية، وإن عبر عملاء لـ«الموساد» من داخل البلاد.
إلى ذلك، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أمس، في رد على تصريح للرئيس الأميركي جو بايدن، من أن أي أحد يعرف «كيف ومتى ستهاجم إسرائيل إيران» يجب أن يحاسب. وقال عراقجي عبر منصة «إكس» أمس: «أي أحد يعلم أو يفهم كيف ومتى ستهاجم إسرائيل إيران، ويوفر الوسيلة والدعم لمثل هذه الحماقة، من المنطقي أن يتحمل المسؤولية عن أي خسائر بشرية محتملة». واعتبر عراقجي عقب مشاورات أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحضور وزير الخارجية هاكان فيدان في أنقرة، التي يزورها ضمن جولته الإقليمية الواسعة التي استهلها من لبنان وسورية وشملت السعودية ومصر، أن «المنطقة أصبحت بمثابة برميل بارود، وأن احتمالية الحرب في المنطقة أمر جدي، ولا أحد في المنطقة يريد هذا الوضع سوى الكيان الصهيوني». وندد بـ «جرائم الحرب» الإسرائيلية التي «لا تعرف حدوداً»، مضيفاً أن طهران «تؤيد وقف إطلاق النار الدائم والفوري» في غزة ولبنان. وأكد أن إيران جاهزة لأي سيناريو رغم عدم رغبتها في التصعيد، متهماً واشنطن بأنها تساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة عدوانه. من جهته، رأى وزير الخارجية التركي أن «السلوك العدواني الإسرائيلي» يرغم إيران على «اتخاذ خطوات مشروعة» للرد. وقال فيدان، خلال مؤتمر مشترك مع عراقجي في إسطنبول، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي «يفتح باستمرار جبهات جديدة في المنطقة»، معتبراً أنه «لا يجب الاستهانة بخطر رؤية الحرب تمتد إلى المنطقة برمتها». واتهم فيدان إسرائيل بأنها تحاول جر إيران إلى الحرب.
وأمس الأول، كشف الرئيس الأميركي في حديث بختام زيارة لبرلين، أن لديه علماً بخصوص كيفية وموعد رد إسرائيل على الهجوم البالستي الإيراني الذي تم بـ200 صاروخ مطلع تشرين الأول الجاري، إلا أنه رفض الإفصاح عن أي تفاصيل بشأنه. أتى ذلك في وقت تتخوف أوساط أميركية من أن نتنياهو يتحسس فرصة تسمح بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، في ظل شعوره بأن لديه قوة مساومة أفضل مما كانت عليه قبل أكثر من عقد بمواجهة واشنطن حليفة بلده الرئيسية، رغم أن بايدن ونائبته كامالا هاريس ومنافسها الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أبلغوه بمعارضتهم هجوماً كهذا.
من جانب آخر، انطلقت في إيران مناورات بحرية، بمشاركة روسيا وسلطنة عمان ومراقبة 9 دول أخرى، في المحيط الهندي، في حين وجه رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي تهديدات للإمارات بالدمار والحرب إذا اتبعت «الطريق الذي يضعه الآخرون لها». ونصح خرازي أبوظبي بـ«وضع العداء لإيران بشأن سلامة أراضيها جانباً والعودة إلى الحوار»، معتبراً، في بيان، أمس الأول، أن دخول الاتحاد الأوروبي دعماً للإمارات، في قضية الجزر الثلاث، المتنازع عليها، يأتي من منطلق «العداء السافر لطهران بحجة كاذبة وهي دعم إيران لروسيا في أزمة أوكرانيا وبهدف الحصول على مساعدات من دول الخليج الغنية للتغطية على الجهد الحربي الغربي ضد موسكو».
فرزاد قاسمي -“الجريدة” الكويتية: