اتفاق لوقف النار أم وثيقة “استسلام” تحت سقف 1701
لم يزل اتفاق وقف النار رهينة تحليل وقراءة عميقين. نهاية الحرب أو وقفها تحت بنود هذا الاتفاق لم يسقطا التساؤلات حول الآلية التنفيذية بتفاصيلها. وعلى ما تفصح عنه الكواليس، فيبدو أن ما خفي كان أعظم، بغض النظر عن اعتبارات حزب الله التي أوردها أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، من أن ما تم الاتفاق بشأنه هو مجرد تنفيذ للقرار 1701 وأنه محصور بانسحابهم إلى شمالي الليطاني، ولا علاقة له بأي ترتيبات سياسية داخلية.
وفي قراءة رسمية، فإنه اتفاق بين الثنائي وإسرائيل، وليس بين إسرائيل والدولة، كما يقول حزب الله، الذي أخضعه لتعديلات بواسطة رئيس مجلس النواب نبيه برّي. لم يكن حزب الله يستعجل إعلانه في البداية لأنه كان واثقاً من تقدمه في الميدان، بينما كان برّي يسعى جهده لوقف النار بأي شكل. من داخل حزب الله من يقول إنه لم يكن ليوافق وقفاً للحرب لولا حجم الدمار الذي منيت به بيئته الحاضنة وحجم الخسائر الفادحة في الأرواح، ولأنه فقد التواصل على كل المستويات. لكنه عاد ووافق مع علمه أنه اتفاق استسلام، لكن في لحظة ما لم يعد من ملاذ آخر. واليوم لا يزال حزب الله يحتاط خشية أن تقوم إسرائيل بأي عمل أو استهداف جديد لقادته خلال الأيام المتبقية من فترة 60 يوماً، قبل انسحابها من مناطق تواجدها في الجنوب.
كواليس الاتفاق
يختلف التفسير المتداول في الكواليس للقرار عن تفسير حزب الله. فالاتفاق تم “بين حزب الله وإسرائيل” بواسطة برّي والموفد الأميركي آموس هوكشتاين. الدولة اللبنانية لم تتدخل، ولو كانت فعلت، ووافقت على ما وافق عليه الحزب، على حد قول مصادر رسمية، لتم تخوينها.
بقيت بنود الاتفاق موضع أخذ ورد بينهما طيلة شهر تقريباً. في القراءة الديبلوماسية، فإن الاتفاق لا يعكس انتصاراً لأي من الفريقين. الفريقان خرجا خاسرين: لم يحقق حزب الله اسناداً لغزة، لم يحم أهلها أو يمنع تدميرها، لم يمنع الحرب عن لبنان وأخطأ في حساباته حيال احتمالات الحرب الإسرائيلية. تمت تصفية قادته في زمن قياسي وقد خرج منهكاً من الحرب، بالمقابل لم يحقق رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتيناهو أي من أهدافه بالقضاء على حزب الله، وعودة سكان المستوطنات إلى الشمال.
وفي التنفيذ العملي على أرض الواقع، سيتراجع حزب الله إلى شمالي الليطاني، ويمنع عليه الظهور المسلح على الحدود لجهة لبنان، وستقوم قوات اليونيفيل ساعة تشاء بعمليات تفتيش، من دون أن تجبر على التنسيق المسبق مع الجيش. تؤكد المصادر أن فترة الستين يوماً المتفق عليها كان هدفها تحقيق انتشار واسع للجيش اللبناني لتسلم زمام الأوضاع على الحدود. هذا الجيش الذي بات تحت المجهر الدولي، وعليه أن يحقق خطوات واضحة لتأكيد خلو المنطقة من عناصر حزب الله وسلاحه ومنع وجود مراكز عسكرية أو مستودعات أسلحة.
كانت المفاجأة في الحرب تخلي إيران عن حزب الله. و”التخلي” هو التوصيف الديبلوماسي لما جرى مع حزب الله خلال الحرب، وأن فرار بشار الأسد ومغادرته بالشكل الذي حصل لأنه استوعب ما واجه حزب الله. إذا كانت إيران لم تسعف حزب الله فهل ستسعفه، فيما روسيا ليس بمقدورها دعمه على الأرض؟
رفض وقف النار
من ضمن المآخذ على حزب الله، رفضه وإيران عروضاً متكررة أيدها نتنياهو لوقف النار إلى أن تغيرت موازين القوى. في خضم النقاش بخصوص وقف النار لفترة 21 يوماً، كان لبنان أقرب للموافقة لولا أن تلقى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب أثناء تواجده في نيويورك اتصالاً يطلب إليه العدول، لأن حزب الله يرفض فك الجنوب عن جبهة غزة. وهو ما أثار استياء هوكشتاين، ليخرج بعدها ديبلوماسي إيطالي باستنتاج يبلغه لوفد لبنان: “كلنا نعمل من أجل بلدنا إلا انتم في لبنان تعملون لصالح غيركم”، غامزاً من قناة دور إيران، ومعتبراً أن حزب الله خاض الحرب في التوقيت الخطأ.
وفي نيويورك، وقبيل اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصرالله طلب رئيس جمهورية إيران مقابلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مستفسراً عن الاتفاق على وقف النار، فأبلغه رئيس الحكومة انه عبارة عن اتفاق على 21 يوماً، فسأله مستغرباً وهل وافق حزب الله؟ وهو ما فهم على أنه رفض إيراني للعرض.
محاولة ثانية لوقف النار أجهضت، من قبل إسرائيل هذه المرة. وافق عليها نصرالله قبل اغتياله. وقال لبرّي إن الحزب سيلتزم تطبيق القرار 1701 ويوقف الحرب متى التزمت إسرائيل. فعشية وصول نتنياهو لإلقاء كلمته في مجلس الأمن سُئل الوفد الإسرائيلي عما إذا كان بوارد وقف النار فنَصَح انتظار وصول نتنياهو. يومها قال وزير خارجية إيطاليا لوفد لبنان إن رئيس وزراء إسرائيل مصرعلى التخلص من حزب الله، ومهد لرفض الاقتراح لدى دول القرار. وصل نتيناهو، وحين فرغ من إلقاء كلمته التقى الصحافيين ولم يتحدث معهم عن لبنان. لحظات وإذا بفريق عمله يستدعيه على عجل. يتسلم منهم أوراقاً يوقع عليها. ينصرف الوفد المرافق ليعلن بعد نصف ساعة تقريباً عن استهداف مقر إقامة نصرالله. ليتبين أنه وقع قرار المجلس العسكري باغتيال السيد.
سبحة الاغتيالات
اغتيل نصرالله ولم يستنكر العالم، يقول المصدر الرسمي. وكانت المفاجأة نعياً ايرانياً مختصراً، لتكمل سبحة الاغتيالات مسارها وسط صمت دولي مطبق.
ثمة شعور عام أن حزب الله تورط في حرب كان يمكن تلافيها. ترفض المصادر تبريره أنها كانت حرباً استباقية لنية إسرائيل شن حرب عليه، ولو كان فعل لوقف العالم مسانداً بدل أن يتحول إلى متهم بالتعدي عليها من منظار دولي.
لغاية اليوم يتحدث الديبلوماسيون بذهول تام عما واجه حزب الله، وانكشافه بهذه السرعة، وكيف تم خرقه لدرجة العلم بمكان وجود أمينه العام، وهو المحاط بطوق أمني محكم. لكن على الرغم من كل ما واجهه، فإن ثمة رأياً دولياً يقول إن الحرب أضعفت حزب الله مؤقتاً، لكنها لم تنهه. وهذا لا يلغي حقيقة ما تفصح عنه المصادر الديبلوماسية حين تقول إن تنفيذ الاتفاق سيكون تحت الفصل السابع ضمناً، ولو كان مقدراً لأن يجتمع مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد وأقوى لفعل، ولكن عوضاً عن ذلك سيكون التنفيذ تحت المجهر الدولي تحت طائلة العقوبات المختلفة، واولها إعادة الإعمار.
ad
غادة حلاوي – المدن