كواليس انتخابات الرئيس: ما لا تنقله الكاميرات
لم تكن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية مجرّد لحظة رسمية تُوثقها الكاميرات، بل مساحة امتزجت فيها المشاعر، الخلافات، والمفارقات التي عكست واقع المشهد اللبناني في هذه المرحلة.
كمراسلة، شهدت على تفاصيل لا تلتقطها عدسات الإعلام، وتسللت مشاهد عدة إلى دفتر ملاحظاتي.
في غرفة الصحافة، وبينما كنّا نتابع وقائع الجلسة، وبعدما انفجر سجال صاخب بين النائب سليم عون والنائبة بولا يعقوبيان، تساؤلات كثيرة بدأت تدور بيننا، بعدما سمعنا الكلمات التي عبّر من خلالها عون. إحداهن تساءلت بسخرية: “كيف تُرجم هذا الحوار أمام سفراء العالم المدعوّين إلى الجلسة ويتابعونها عن قرب؟ آخر علّق بحدّة قائلًا: “كيف ينظر سليم إلى نفسه أمام عائلته، أولاده، عندما يشاهدونه يتحدث بهذا الأسلوب والمستوى؟ وثمة من اعتبر أنه ربما تعمّد ذلك، إما لإثارة الجدل أو لتطيير الجلسة عبر افتعال مواجهة.
إذا كان هذا المشهد يعكس الجانب الصاخب والجدلي من يوم الانتخاب، فإن مشهداً آخر كان أكثر صمتاً وهدوءاً لكن مليئاً بالمعاني. كانت اللحظة التي دخل فيها الرئيس المنتخب إلى المجلس النيابي على السجادة الحمراء، على وقع الأنغام العسكرية وبين صفوف الحرس الجمهوري المصطفة بعناية، وبينما كانت الأنغام تعلو، ومعها تتأجج مشاعرنا، وبينما همس أحدهم بجانبي قائلاً: “بعد كل شي صار بحقّلنا نفرح”، لاحظت بكاء صبية بصمت كانت تقف إلى جانبي.
اقتربتُ منها وسألتها بلطف: “ليه عم بتبكي” أليست هذه لحظة فرح بعد كل الألم؟ أجابتني بصوت متهدج: “زعلانة على السيد حسن. نحنا خسرناه. وعم نفتقده اليوم”.
كلماتها كانت كافية لتكشف لي أبعاداً أخرى لهذه اللحظة التاريخية. في الوقت الذي كان البعض يرى في هذه اللحظة فرصة لطي صفحة المعاناة، كان هناك من يشعر بفقدانٍ كبير، برحيل شخصية كانت تعني لهم الكثير، وربّما أكثر من رئيس.
أما اللحظة التي اختزلت هذا اليوم بالنسبة إلي، فكانت عند مغادرتي المجلس النيابي. داخل المصعد، برفقة ثلاثة رجال لم أعرفهم، هادئين، لا تبدو عليهم علامات الفرح أو الحزن. خرق أحدهم الصمت وقال: “يلّا خيي منيح، على القليلة هلأ صار فينا نرجع نعمّر”. أجابه الآخران بهدوء: “إيه انشالله”، ثم تابع الأوّل بحماسة: “إيه إيه أكيد، خيي أنا من وقت الحرب لهلأ عايش أنا وولادي بالمدرسة، خلص تعبت خلّيون يبنو هالدّولة بقا، بدنا نعيش”.
تحمّست فتدخّلت وقلت له: “معك حقّ لازم يكون في دولة وبس الدّولة للكلّ وفوق الكلّ”.
أجابني: “إيه إيه خلص تعبنا”.
أضفت: “بس إذا بدنا نعمّر، بدنا نجرب ما بقى ندمّر”. أجابني بحزم: “خلص! لازم نكون خلصنا من التدمير لبعيد هلّق، بدنا نعيش، ما بدنا نموت كرمال حدا”.
في هذا المصعد، شعرت أنّ ذاك الرّجل لخّص لي حلم بيئةٍ تعبت من الأجندات، ووطن منهك من مشاريع الموت والدمار. لخّص لي حلم مواطن بدولة كاملة حقيقيّة. لخّص لي ما يمكن أن نعيشه في المستقبل في حال نفّذ الرّئيس جوزاف عون خطاب قسمه بالفعل.
ماريان زوين -نداء الوطن