ما بعد الإعتذار… ترتيبات لمواجهة “كسر عظم
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
المعركة الآن باتت أوضح، والوضع يشهد تحوّلات. على مقربة من الإنتخابات النيابية يسير الوضع السياسي وفق الآتي: الرئيس سعد الحريري على رأس قيادته لتيّار “المستقبل”، يرفع من قيمة مواجهة “حزب الله” سياسياً في المقابل يخفض من حضوره السلبي تجاه التيار الوطني الحر. بالنسبة إلى “الشيخ سعد”، بات الحزب بمثابة الخصم الاول، أحياناً يفوق بخصومته ما راكمه الحريري طيلة سنوات من عمر الإشتباك مع “التيار”.
المطلوب إذاً والآن، إعادة “ترشيد” المعارك السياسية في الداخل اللبناني لكي تصبح أكثر تفسيراً ووضوحاً، أي تحويلها باتجاه إنتخابي محض وحصرها به، حيث يغدو الهدف الراهن إدخال تعديلات على الرسم البياني للغالبية النيابية الحالية. إذاً المطلوب من سعد الحريري وببساطة، المساهمة في “تقليم” نفوذ حزب الله وحلفائه في مجلس النواب، وبعدها يُنظر في علاقته بالخليج عامة والسعودية بصورة خاصة.
وتوجّهات كل من فرنسا والولايات المتحدة ومن خلفهما السعودية ثم مصر تصبّ في هذا الإتجاه، ولكل منهما خدمات يوفرها في السياق: فرنسا تتولى إعداد وتوجيه جماعة الإنتفاضة – الفرع الفرنكوفوني، والولايات المتحدة توفّر رزم الضغط وإعادة تنشيط الـNGOs خاصتها، فيما تتولى السعودية والملحقين بها عربياً وخليجياً الشقّ التقني المتبقي. وهذا يُفترض –بحسب المنظّمين- أن يُحدث الفرق في الإنتخابات، بمعنى أن الجولة المقبلة والتي بدأ إعداد العدة لها منذ الآن،
ستشكّل أول إنتخابات تجري في ظل تحديات الإنهيار وما شاكل،
وستشكل مع كل هذا الكمّ من الدعم والتدخل الدولي وسط استحضار البدلاء في شتى الطوائف سابقة من حيث ظرفها وأهميتها، وسيسمح خلالها بإستخدام كل الأوراق الإعلامية والسياسية والإقتصادية والثقافية وغير ذلك في سبيل إنجاحها،
ولتأمين إحداث فجوة في الغالبية النيابية الحالية، ولعدم تمكين الحزب وحلفائه من العودة إلى تحصيلها مجدداً، في مقابل تأمين غالبية أخرى بديلة ومؤيدة للغرب،
وتسمح مثلاً بتطبيق بنود المبادرة الفرنسية “المتوفاة” وغيرها من شروط صندوق النقد والبنك الدولي والمؤتمرات الدولية وسوى ذلك.
الحريري في المقام هنا سنّ أسنانه. الرجل لا يريد اعتزال السياسة في ربيع العمر،
ولا يريد إلغاء أو إزهاق نفسه. يقبل الحريري بإلغاء علاقة “وليدة” مع “حزب الله” مبنية على أساس
“ربط النزاع” طالما أن التضحية بهذه العلاقة سيوصله في النهاية إلى علاقة أثمن بنظره:
العودة إلى المجتمع الدولي والعودة إلى السعودية. والحريري هنا،
ليس الشخص الذي يستطيع أن يستمر أو يسبح من خارج أفكار الغرب وسواه.
بهذا المعنى، استبطنت مواقف الحريري في مقابلته الأخيرة عبر “الجديد”
رغبة في العودة إلى درجة النزاع والتسخين مع الحزب، ولتحسين مظهره السياسي أمام السعودية
ولكي يعود أقوى. وفي اعتقاد الحريري أن الدعم السعودي بالإضافة إلى تحقيقه نتائج إنتخابية
جيدة مقارنة بنظرائه السنّة الآخيرين وتقديم مساهمة في تبديد أكثرية 8 آذار، هما الوسيلة للحصول على رضى السعودية.
والحريري لم يقطع مع “التيار” نهائياً، وبالمقارنة مع سقف الخطاب الإعلامي الأخير،
يكون قد هاجم الحزب أكثر ومن خلال مضمون كلامه، وبدا أنه يهادن “التيار”
أكثر مما ينتقده، ليظهر في النتيجة أنه لا يحرق المراكب معه،
ربما طمعاً في عودة متجددة و بظروف مختلفة، ولعلمه أن ما سيلي الإنتخابات هو الجزء الأخير من عمر العهد.
ومن حيث تشديده على الإنتخابات وزمانها وإطلاق سباقها منذ الآن رسمياً،
يظهر أنه يحضّر لتحسين موقعه داخل السلطة واستطراداً امام العهد،
ويحضّر نفسه للعودة قوياً وبصورة متجددة لإدارة التكليف على رأس تشكيل حكومة مختلفة،
يعتقد أنها ستمرّ حكماً بشهادة نتائج يعوّل عليها في الصناديق، فيأتي لكي ينتقم!
بينما الآن، وفي ظل الحديث عن الإنتخابات وتأليف الحكومة الجديدة الراعية للإستحقاق،
فيبدو أن الفرنسيين قد استمدوا الروح من وراء اعتذار الرئيس سعد الحريري ويحاولون بعث الحياة مجدداً في مبادرتهم المتهالكة.
تُرصد في هذا السياق حركة مكثفة للموفدين الفرنسيين على خط البحث عن بديل للحريري والإستفادة
من اعتذاره لفتح الإحتمالات أمام الخيارات الإنقاذية ولو أن الشغل الشاغل الآن هو الإنتخابات،
بمعنى أن رئيس الحكومة المقبل لن يكون سوى جسر بين مرحلة وأخرى.
وهنا إنما البديل يجدر أن يكون متفاهماً مع الفرنسيين أولاً ثم الآخرين ثانياً،
ويبدو أن ثمة “لائحة” يجدر الإنتقاء منها إسماً واحداً من بين عدة “مطوّبين”. أكثر من ذلك
يُفترض بهذه الحالة تأمين تفاهمات حيال التشكيلة وتوزيعتها قبل البحث عن الإسم،
وعلى الأعمّ الأغلب فإن النشاط الحالي يندرج في هذا السياق،
وهذا له أن ينقل تحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة إلى تاريخ يتجاوز عيد الأضحى المبارك،
إذ ستُعتبر هذه الفترة بين قبل العيد وما بعده، “مهلة للمشاورات” بين الأفرقاء.
ويُرصد في هذا الإتجاه، أن من بين الأهداف، كفّ يد سعد الحريري عن “إصدار” أي فيتو ناح تسمية المكلف الجديد،
أو بالحد الأدنى كفّ نظره عنه، عملاً بالقاعدة التي أرساها خلال المقابلة،
من أنه لن يسمّي لكنه لن يقف في وجه التسمية، رغم أنه قد فرض وخلالها نفسه مرشحاً طبيعياً،
وهذا يجد البعض أنه قام مقام جعل نفسه “ناخباً أساسياً” في الإستحقاق.
المطلوب من أجل تسييل هذا المنهج هدوء في الشارع، يبدو أن القوى العسكرية والأمنية تجهد في تأمينه،
إذ يبدو أنه مضبوط بقرار صادر عن أعلى المرجعيات، بشهادة التدخلات التي شهدتها منطقتي الكولا و أوتوستراد الجنوب الدولي.