إذا رفعت السعوديّة صوتها
هذا ما قالته “فوكس نيوز”اسرائيل باقية ما دامت أميركا باقية”. كادت تقول : “الاسرائيليون” باقون ما دام العرب باقين. واذا كان هناك بين علماء المستقبل مَن يرى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتغير بتأثير التفاعلات ما بعد التكنولوجية، التي تتجاوز المفهوم الكلاسيكي للتاريخ وللزمن، وحتى للكائن البشري، نستذكر كعرب، نظرة برنارد لويس لنا “الصاعدون الى القمر على ظهر ناقة” !
وكان المفكر المصري الفذ جمال حمدان قد قال “يولد الحكام العرب وفي جيناتهم عشق لأميركا”… بطبيعة الحال لم يقل … عشق “لاسرائيل”.
الأميركيون لم يقولوا لنا يوماً لماذا يتعاملون مع القضية الفلسطينية من الباب الخلفي . يسعون ويضغطون لحمل الدول العربية على التطبيع مع الدولة العبرية، دون أن يقوموا بأي خطوة عملية لتغيير “السياسات الاسرائيلية” ولو قيد أنملة. الاجابة عند ناعوم تشومسكي الذي اذ يرى أن الرؤساء الأميركيين كثيراً ما يتحولون الى دمى في يد “اللوبي اليهودي”، يعتبرون أن بقاء أزمة الشرق الأوسط على احتدامها ضرورة استراتيجية لمصالحهم.
شيء من الواقعية في مقاربتنا للمشهد . ثمة حكومات عربية ترى أن انتصار حماس انتصار لايران.. في نظرها أن غزة هي البوابة الرئيسية لآيات الله، الذين يلجأون الى شتى الطرق لاعادة مجد الأكاسرة بالوصول الى ضفاف المتوسط، كمدى جيوسياسي وجيوستراتيجي للأمبراطورية.
الباحث الأنثروبولوجي كلود ليفي ـ شتراوس تحدث عن ضغط التاريخ أو ضغط الايديولوجيا في الشرق . لكن تجربة رجب طيب اردوغان الذي حاول اعادة احياء السلطنة، ان بديبلوماسية الثعبان أو باستراتيجية الثعبان، أثبتت أن القوى العظمى، بما في ذلك روسيا، رسمت خطوطاً حمراء، وان كانت الخطوط السريالية التي لا مجال للقوى الاقليمية أن تتجازوزها، مع اعتراف أميركي بأن الايرانيين أكثر حنكة من الاتراك . بول ولفوويتز دعا الى “انتزاع ورقة الشرق الأوسط من أيدي آيات الله” .
منذ عهد جورج دبليو بوش، ظهر هناك مَن يرى أن الطريقة المثلى لتغيير خريطة الشرق الأوسط هي تقويض النظام الايراني بالضربة النووية . مثلما تشكل النظام العالمي (الثنائي القطب ) بقنبلة هيروشيما، لا بد من قنبلة أخرى لتكريس نظام القطب الواحد.
ابراهيم رئيسي قال في طاجكستان “ان أولوية سياستنا الخارجية تحسين العلاقات مع الدول”. المعادلة التي تتقاطع فيها الضرورة الايديولوجية مع الضرورة البراغماتية. الايرانيون يدركون بذلك التاريخ المثقل بالأحداث، أن الزمن يدور مثلما تدور الكرة الأرضية.
هذا لا يعني، في حال من الأحوال، الابتعاد عن التراجيديا الفلسطينية. لذلك، ولأكثر من سبب لن تدخل المقاومة في حرب ليس وقتها الآن. واذا كان الحديث حول ابقاء قواعد الاشتباك في حدودها الحالية، ثمة مَن يرى أن التوصيف الأكثر دقة للحالة هو “طريقة التشغيل (ModuS operandi ) . المقاومة قالت ـ بالنار ـ لبنيامين نتياهو “لستَ أنتَ من يغير الشرق الأوسط”.
لاحظنا كيف أن العبارة التي أطلقها زعيم الليكود، قبل أن يستفيق من الصدمة التي أحدثتها عملية طوفان الأقصى، قد سقطت من مسلسل التهديدات “الاسرائيلية” اليومية ، لكنها بقيت في ذاكرة قيادة المقاومة في لبنان، التي ربما لجأت الى القراءة الفرويدية لما يجول في رؤوس ذلك الائتلاف الجهنمي الذي يحكم “اسرائيل” . بطبيعة الحال مع اعتبار “الكلام النووي” الذي صدر عن الوزير اميحاي الياهو .
بالتأكيد، المقاومة التي دفعت الدم لاجتثاث الأقدام الهمجية من أرضنا، تدفع هذه المرة أيضاً الدم لتقول لديناصورات الهيكل ان ثمة سوراً من النار يحمي كل حبة تراب من تراب لبنان .
ولكن ألا يراهن الأميركيون، وبعدما تطوى الصفحة ويدفن الضحايا، على استئناف دومينو التطبيع كطريقة عملانية، ان لتذويب القضية الفلسطينية أو لتكريس الوجود الأبدي “لاسرائيل”، ليس فقط كوديعة الهية، كما رأى دونالد ترامب، وانما كوديعة أميركية .
لننتظر ما تقوله القمة العربية الطارئة . لعل شيئاً ما تغير في المشهد العربي . بالقليل القليل من التفاؤل، لن نقول ما قاله سعد زغلول لزوجته “ما فيش فايدة يا صفية … غطيني” . القمة في الرياض . الأمير محمد بن سلمان رفع القفاز أكثر من مرة في وجه جو بايدن، هل يرفع صوته وقبضته في وجه أميركا ؟ في تلك اللحظة يكون العرب من يغيّرون الشرق الأوسط …
نبيه البرجي -الديار