أسبوع حكومي “حاسم”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
شرب السياسيون “حليب السباع” في أعقاب حلّ الأزمة الناشئة عن وضعية الوزير جورج قرداحي برعاية فرنسية، وقد باتت آمالهم معقودة على توسيع رقعة التفاهمات لتطال “الملف القضائي”، لذلك حفلت الساعات الماضية بدوران حركة الإتصالات بكامل قوتها ،على جميع المقارّ في محاولة لتدشين “صلحة قضائية – سياسية” تُنهي حالة القطيعة في مجلس الوزراء.
عملياً، أسّست نتائج “تسوية جدة” لنقلةٍ مهمة، أثمرت عن إراحة الجو الداخلي إلى حدٍ ما، وهي النقطة التي ينطلق منها الوسطاء في شكلٍ مباشر وغير مباشر وبعيداً عن الأضواء، لإنجاز خرقٍ على خط الأزمة القضائية العالقة، تحت عنوان: إيجاد المعالجات لعودة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد. ويشكّل العنصر الفرنسي الذي نتج عن “حراك جدة” محور هذه الحركة، نواتها إعادة العمل باتفاق “رحلة الليموزين”، والقاضي بتقسيم الحلّ إلى شقين: الأول يتعلق بملف الرؤساء والوزراء الملاحقين من جانب المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار، على أن يُسند إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والشقّ الآخر عدلي، يبقى في يد البيطار.
بمعزلٍ عن كل شيء، ثمة فريقٌ في الداخل لا زال يعمل بناءً على الخلفيات القديمة، دون أن يجرؤ على وضع اليد على سبب العطب الجوهري الذي دخل على الحكومة، وهي مقاربةٌ تبعث على القلق سيما مع وجود اناس “فهمانين” نوعية المشكلة لكنهم يتجاهلون طبيعتها والسبل الآيلة لحلها ما ينم عن حالات “جبنٍ وعدم جرأة” ، أو تقصّد لعدم تناول قضية الخلاف من جوانبها الأساسية. يتجلّى ذلك عبر محاولة الربط والخلط في الأزمة الحكومية، بين ما هو سياسي وقضائي، وتجاهل أن حالة العطب في مجلس الوزراء نشأت في الأساس عن أزمة قضائية جوهرية، محورها وضعية البيطار في التحقيق العدلي وشذوذه عنه ووضعية حماته من داخل القوس وخارجه ، لذلك إن عقدت النية السليمة لانهاء الملف لا بدّ من بحث مستقبل البيطار كمحقق في الملف، خلاصة موقف الثنائي الشيعي.
لكن البعض يتجنّب سلوك الدروب المؤهّلة لإنهاء الحالة الشاذة سواء في القضاء أو مجلس الوزراء، مقابل تفضيل مناخ استثمار “نتائج الحراك الفرنسي” رغبة في تحويلها إلى “وقودٍ سائل” ينفع في تشكيل “قوة ضغط” على الثنائي الشيعي لدفعه صوب التخلّي عن شعاراته التي رفعها قبل وبعد أحداث الطيونة: وضع حلّ لتفلّت التحقيق في تفجير المرفأ وخروجه عن النصوص القانونية. لذلك كان عنوان الحراك الذي استُهلّ بعد “الخرق الفرنسي”، محصوراً في محاولة إقناع الثنائي الشيعي بحضور وزرائه إلى جلسة حكومية، تُعقد خلال الأسبوع المقبل من دون الغوص في وضعية البيطار ومصيره او تقديم حلول تشعر هذا الثنائي بمناخات إيجابية، ما كانت أقرب بنظره إلى “إسقاطات”. يحدث ذلك والدولار آخذ بالتراجع تدريجياً والمقاطعة السعودية قاربت على الأفول والخطط الفرنسية للإنقاذ تنتظر وردها والحكومة تحضر أوراقها، وهي عوامل يُراد الإستفادة منها في تحميل الثنائي الشيعي، النتائج العكسية المترتبة عن أي تأخير في إبرام “صفقة” الحلّ في أسرع وقت.
عملياً، بدأت القصة وانتهت في نتائج اجتماع “الليموزين”، وما تبعها من مقررات اتُخذت في اجتماع بعبدا الرئاسي الثلاثي يوم عيد الإستقلال. حينها، فوّض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إيجاد حل لوضعية البيطار، بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى على قاعدة فصل الملفات القضائية بين ما هو من صلاحية مجلس النواب بناءً على الأطروحة القانونية التي تقدم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام الرئيسين وقبلهم بحضور البطريرك الراعي، وبين من هو حقٌ للبيطار ضمن الملف العدلي.
“طرق” الميقاتي على صدره وفق كلام مصدر مطلع على “مسودة الإجتماع” ووعد بإيجاد حلّ للملف مع رئيس
مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، وهكذا كان. بادر ميقاتي أن ارسل خلف عبود،
وسرد على مسامعه نتائج الإجتماع وطلب إليه تعاونه لإنهاء الملف.
وعد عبود خيراً وأنه سيناقش الموضوع وهو تحت التعاون، ثم كرر وعده لميقاتي قبل
إنتهاء الاجتماع بأنه سيجد حلاً، ثم نزل وعاد أدراجه إلى قصر العدل. بالتوازي مع ذلك نشط “سعاة الخير”
لتسريب تباشير الحل الذي سرعان ما انقلب عليه عبود، حين لم يبادر إلى تغطية “المخرج” متعمّداً
عرقلته من خلال الايعاز إلى جماعته في العدلية ردّ الدعوى المرفوعة
من المتضررين بحق البيطار ، ما عنى إسقاط “مشروع الحلّ” الذي طُبخ في قصر بعبدا.
ثمة من يصنّف المتهمين بإسقاط الحل إلى درجات. في الأولى يتموضع عبود الذي
نكث بعهده إلى رئيس مجلس الوزراء، وهي سابقة تحدث للمرة الأولى إذ يتعمّد رئيس مجلس للقضاء الأعلى،
اعتماد أسلوبٍ أقرب إلى الخداع في تجاوز ورفض طلبات السلطة التنفيذية التي
رسمت خط حل إنهاء أزمة تعطيلها. في المقام الثاني رئيس الجمهورية الذي لم يبادر إلى إنعاش الحل، عبر التدخّل لدى مجلس القضاء لاستعادة الوضعية
القانونية التي اختلت حين رفض وضع ملف الرؤساء والوزراء لدى مجلس النواب، وثالثة يتحمل
مسؤوليتها الميقاتي نفسه الذي تصرف في “مشروع الحل” ، على أنه رسول وعليه إبلاغ ما
وصل إليه دون تدخل، والفئة الرابعة يُمكن ربطها بالجانب الفرنسي الذي يُفترض أن لديه
“حظوة” عند عبود لعدة إعتبارات منها ما يتصل بتسويقه لدى الإليزيه ليغدو مشروع رئيس جمهورية خلال الدورة المقبلة.
عند هذا التعقيد، يرفض الثنائي الشيعي تقديم أي قربان حلّ بمعزلٍ عن إيجاد مخرجٍ للوضعية القضائية الهشّة،
والتي تبدأ أولاً وأخيراً بإيجاد تفسير لوضعية القاضي البيطار في ملف المرفأ. وهنا تعيد مصادر الثنائي تجديد التذكير،
بأنها لا تبتغي إسقاط التحقيق العدلي في انفجار المرفأ ، وإنما يهمّها الوصول إلى
نتائج بعدما وضعتها تصرفات البيطار وغيره في عنق الإهتمام، بل تريد
إعادة ترتيب الأولويات القضائية وإعادة الإعتبار للقانون.
يحدث ذلك في ظلّ تدخّلات تتمّ على خط ميرنا الشالوحي الضاحية – ميرنا الشالوحي عين التينة
– بعبدا الضاحية – الضاحية – السراي الحكومي، لإنضاج اتفاق تفاهم خلال 72 او اسبوع على الأكثر
يسمح باستغلال الأجواء التي تمخّضت عن “لقاء جدة” غير أن التفاهم حتى الساعة دونه عقبات،
رأس جليدها عدم الرغبة في بتّ مصير البيطار “المدعوم” بتغطية كاملة صادرة عن “المجلس الحربي” في قصر العدل.