وداعــاً للخط 29 ونعم للتطبيع… ميقاتي حقّق ما عجز عنه شينكر
ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح
طالما أن ثمة رغبة مشتركة بين الرؤساء الثلاثة لإحداث تغييرٍ، يُخرج ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بصيغته الحالية، والتي تمنح لبنان ما يفوق الـ1400 كلم مربّع تقع إلى الجنوب من الخط 23 من وضعية الجمود، معنى ذلك أن نيّة الإجهاز عليه قد عُقدت. الكلام أعلاه لا يُمكن وضعه في دائرة الشك بتاتاً ، لكون المعلومات تجزم بحصول اتفاق داخلي برعاية خارجية للإنتقال بالمباحثات إلى “خطوط أخرى”.
يسود حديث بين المعنيين المباشرين في ملف الترسيم حول إنجاز اتفاق ثلاثي “مستتر” بين الرؤساء الثلاثة، يقضي بإنزال الطرح حول الخط 29 عن الشجرة، واستبدال “الطرح اللبناني” المُعلن على طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة (المجمّدة حالياً) ، بالخط 23 المُدرج ضمن المرسوم 6433. ذلك يعني حرفياً إنجاز خطوة التراجع عن المطلب الذي طرحته قيادة الجيش عبر الوفد العسكري التقني على طاولة الناقورة والإنقلاب عليه ، وجعله وكأنّه لم يكن. هذا يعني تلبية الرغبة الأميركية كشرطٍ، لعودة تدخّلها “الفاعل” ، من أجل تفعيل المفاوضات (تشترط واشنطن التخلي عن الخط 29)، ويعني أيضاً ، تمهيد الأجواء لاستقبال الوسيط الأميركي الجديد أموس هوكشتاين، المُفترض أن يزور بيروت خلال الأسبوع الجاري أو المقبل على أبعد تقدير.
وللعلم، يطرح هوكشتاين الإتفاق على شركة مشتركة للتنقيب في الحقول المتنازع عليها ما بين الخط 1 والخط 23، وعلى أبعد تقدير يمكن أن يكون حقل “قانا” هو المستهدف، وبالتالي يحرّر بذلك حقل “كاريش” لتستكمل شركة “إنرجين”، أعمال استخراج النفط والغاز منه دون أية عوائق تُذكر، وبالتالي يمنع شركة “توتال” من العمل في حقل “قانا”، لحين الإتفاق مع الإسرائيلي، على تفاصيل الإنتاج المشترك من هذا الحقل، ويكون هذا مدخلاً للتطبيع الإقتصادي مع العدو.
توطئة القرار بدأت من لقاء أُجريَ بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. وتؤكد معلومات “ليبانون ديبايت” أن الإجتماع قد حصل فعلاً في قصر بعبدا قبل أكثر من أسبوع، وعلى هامش بحث “قضايا داخلية”. ميقاتي وعبر قناة “سكاي نيوز – عربية” البريطانية، أقرّ بحصول هذا اللقاء، وأقرّ ايضاً بتوافقه ورئيس الجمهورية ، على تجميد العمل بالخط 29 وبالتالي إنهاء البحث في قضية التعديلات على المرسوم 6433، والإلتزام بالمُقتضى الذي ثبّته المرسوم، أي الخط 23، ليكون ميقاتي بذلك قد أقنع رئيس الجمهورية في العدول عن موقفه الداعم للخط 29، والذي كرّره الأخير،
وفق مصدر مطلع لـ “ليبانون ديبايت” أمام الوفد العسكري – التقني أكثر من مرّة ،
وخلال أكثر من إجتماع، وبأنه ملتزم بمضمون الدراسات العلمية، التي تُعطي لبنان
حقاً في الحدود المائية يتجاوز 2000 كلم مربع، ممّا دفع بالوفد إلى التشدّد أكثر على اعتبار أنه “مُغطّى”.
ثانياً نجح ميقاتي في إعادة “حبك المفاوضات” على النحو الذي يريده
هو وفريقه الإستشاري الضالع بعملية “تشويه” الحدود منذ عام 2011.
“إعلان ميقاتي” تزامن وتقديم طرح بديل عن الذي قدّمه الوفد العسكري التقني،
للخروج من “حالة المراوحة” التي تسود الملف، ويقضي بتلزيم شركة أجنبية (يُعتقد أنها بريطانية)
إجراء دراسة هيدروغرافية للمنطقة اللبنانية الحدودية، تُضَم إلى دراسة قانونية يقول ميقاتي
أنه سيلتزم بمقتضاها عند جهوزها، وهذا ما يعيد التذكير بقضية مماثلة حدثت عام 2011 ،
حين أعلن ميقاتي أنه سيلتزم بدراسة شركة أجنبية حول الترسيم.
وحين أنجز المكتب الهيدروغرافي البريطاني دراسته التي منحت لبنان حقاً يتجاوز 1400 كلم2 جنوب الخط 23،
رفض ميقاتي تبنّي الدراسة وأجاز لنفسه حجبها عن مجلس الوزراء، وعرض
فقط الخط 23 الذي الذي أقرّته حكومة السنيورة في العام 2009 وحينها صدر المرسوم 6433.
عند هذه النقطة، يصبح من السهل العثور على الأسباب التي أملت على القيادة السياسية ،
الإطاحة بقرار التمديد لرئيس الوفد العسكري التقني العميد الركن الطيار بسام ياسين ،
وتجميد ضمّ التعديلات المقترحة على المرسوم 6433، والموافقة على قرار “احتجاز”
مفاوضات الناقورة من قبل الجانب الإسرائيلي حتى يتنازل لبنان.
وذلك يعني وجود توافق ضمني على قرار الإنقلاب على طروحات الوفد،
ويُظهر وجود “تقاطع مصالح” داخلي – خارجي، بين القوى السياسية التقليدية،
التي ترفض الإستمرار في التمسّك بالخط 29 ، وقد عبّرت عن ذلك بأكثر من طريقه
ومنها قرار احتجاز التعديلات. ومن بين هذه القوى “المعرقلة” جهات خارجية تدفع
صوب إنجاز اتفاق ما ، حول “البؤر البحرية” عند الحدود، رغبةً في “إقفال” الملف.
لذا، كان أي تغيير على مستوى “القرار اللبناني” يحتاج حُكماً ،
إلى تغيير موضعي على صعيد رئاسة الوفد المفاوض ،إنما الوفد ككلّ وهذا ما حدث.
أمام ذلك، تستعدّ قيادة الجيش لاتخاذ القرار المناسب. على الأعلم الأغلب،
وأمام هذه “الإنبطاحة النوعية”، وقرار ميقاتي الإستمرار في التمسّك بالخط 23،
تصبح عضوية صاحب الدراسة العلمية المتبقّي في الوفد العقيد الركن البحري مازن بصبوص محط استفهام.
في المقابل، تُصبح الجهات السياسية المعترضة على قرار التراجع عن الموقف اللبناني
المعبّر عنه على طاولة الناقورة، مطالبة بموقف. وزير الأشغال العامة الجديدعلي حمية،
الذي طلب يومين (كان ذلك بتاريخ 24 أيلول المنصرم) من أجل دراسة ملف الحدود البحرية
الجنوبية والعودة بتصور ليطرحه على طاولة مجلس الوزراء،
مطالبٌ بموقف أيضاً. وزراء حركة “أمل” في مجلس الوزراء ، مطالبون بموقف مماثل.
قيادة الجيش مُطالبة بموقف أكثر وضوحاً حيال ما يجري. أولاً وأخيراً ، هي المُستهدفة
بالتبدّلات الجارية. يُستثنى هنا الرئيس نجيب ميقاتي، غير المُطالب بأي موقف،
طالما أنه أعلن عن تموضعه بشكل واضح وانتهى الأمر. في الواقع، لقد دخل ميقاتي التاريخ،
فالذي تمكّن من تحقيقه في أقلّ من شهر بملف الترسيم، لم يقدر على إنجازه ديفيد شينكر طوال أشهر كاملة!