اخبار محلية

48 عاماً على “الجبهة اللبنانية” والسؤال المكرّر:أي لبنان نريد

دنيز عطالله – المدن
في مثل هذا اليوم، قبل 48 عاماً، أي في 31 كانون الثاني 1976، أُعلن من دير الكسليك قيام “جبهة الحرية والإنسان” التي سيتغيّر اسمها بعد سنة، في الشهر نفسه، وعلى إثر “خلوة دير سيدة البير” عام 1977 إلى “الجبهة اللبنانية”.
قد تبدو الـ48 عاماً مسافة زمنية طويلة، تغيّر العالم فيها وتغيّر لبنان. لكّن استعادة سريعة لـ”القضايا” المطروحة اليوم، والإشكاليات التي تطال بنية النظام اللبناني ووحدة أبنائه، ومقارنتها بما كان مطروحاً على طاولة النقاش والتفكير والسعي عامي 1976 و1977 تدفع إلى التساؤل: هل حقاً مرت كلّ تلك السنوات؟ وماذا فعل خلالها اللبنانيون؟


وللتذكير فإن “الجبهة اللبنانية” هي تجمع أو تحالف أحزاب وقوى وشخصيات سياسية مسيحية، أو “يمينية” بحسب تعريف ذاك الزمن، التقت بحثاً عن توافقات على مجموعة قضايا كانت مطروحة حينها. ويقول الأباتي بولس نعمان، الذي انضم إلى الجبهة، في مذكراته “أخبرني الأباتي (شربل) قسيس أنه هو صاحب الفكرة، التي كان يهدف من خلالها إلى خلق تجمّع قيادي مسيحي مختلط بين سياسيين ومفكرين، حتى لا تنفرد القوى الحزبية بالقرار المسيحي وتتصرف به وفق مصالحها، ومن دون أخذ الآراء الأخرى الموجودة في المجتمع المسيحي بالاعتبار، وبخاصة آراء أصحاب الاختصاص”.


استباحة السيادة
كان “بطريرك” الجبهة ورئيسها كميل شمعون، رئيس حزب الوطنيين الأحرار، وضمت رئيس حزب الكتائب بيار الجميّل والرئيس سليمان فرنجية وشارل مالك وفؤاد افرام البستاني وشاكر أبو سليمان وإدوار حنين وجواد بولس وفؤاد الشمالي وسعيد عقل، والأباتي شربل قسيس إضافة إلى العديد من “الانتلجنسيا” المسيحية.


يؤكد الوزير السابق البروفسور ابراهيم نجار لـ”المدن”، وهو كان أحد أفراد الجبهة أن “أعضاءها لم يتفقوا على صيغة للحكم والبلد. وكان السؤال الدائم للشيخ بيار الجميّل أي لبنان نريد، ولم نستطع توحيد الإجابة عليه. فتعددت الآراء بين المطالب بحكم مركزي قوي وبين المطالب بالفيدرالية، ومن بين أعضائها من طالب بالكونفدرالية، وآخرون بالتقسيم وقيام وطن قومي، ناهيك عن سعيد عقل الذي كان دائم الانشغال بالبحث عن بطل”.
النجار، كان كالجميّل، يعتبر أن “في العالم دول مسيحية كثيرة وأخرى مسلمة كثيرة أيضاً، أما “النبوغ” اللبناني ففي تلك الصيغة والتركيبة”.


ويقول نجار “ما أشبه الأمس باليوم. تتداخل المعطيات الإقليمية وتجد بعض ترجماتها انتهاكاً للسيادة في الجنوب واستباحة لجزء من الأراضي اللبنانية. يومها كانت قوى الأمر الواقع فلسطينية. اليوم هو حزب الله  يفرض إرادته وأجندته على لبنان واللبنانيين”.

فتش عن رئاسة الجمهورية
يربط نجّار بين “عقدة” رئاسة الجمهورية والتغاضي عن استباحة السيادة، ماضياً وحاضراً. يقول “لم يتبرأ بيار الجميّل وكميل شمعون من شارل حلو بعد توقيع قائد الجيش حينها إميل بستاني اتفاق القاهرة. كان دعم رئاسة الجمهورية من الثوابت لديهما، حتى لو أخطأ الرئيس. لكنهما بذلك، ولو لأسباب “مبدئية”، كانا يتنازلان ضمناً عن جزء من السيادة اللبنانية”. يضيف “ميشال عون قام بما قام به إميل بستاني في اتفاق القاهرة في سبيل رئاسة الجمهورية. وكأننا مع الأسف ندور في دائرة مفرغة”.


لنجار ذكريات كثيرة عن تلك المرحلة “التي تتشابه بالكثير من إشكالياتها، وربما ظروفها وبعض طروحاتها مع ما نعيشه اليوم”. أكثر ما يقلقه “تقاسيم التقسيم”، وهو يحيلنا إلى مقال له في جريدة العمل حمل العنوان نفسه تاريخ 15 حزيران 1976، ومما جاء فيه “..الكتائب بمقاومتها للمقاومة الفلسطينية كانت تقاوم التقسيم… بل كانت تدافع عن الصيغة، بدلاً عن المسلمين، أو عوضاً عنهم…”.

مقررات مُرجأ إعلانها
هي رحلة طويلة في التاريخ الحديث للبلد منذ إطلاق “جبهة الحرية والإنسان”، والتسمية لشارل مالك، بحسب نجّار، التي انبثقت منها “الجبهة اللبنانية”. وإذا كان لكل زمان دولة ورجال و…قضايا، فإن “المدهش” في الحالة اللبنانية أن تبقى القضايا نفسها محور النقاشات والخلافات ومصدر توترات وولاّدة أزمات، ليس فقط بين اللبنانيين المختلفين، إنما أيضاً بين رفاق الصف الواحد. وليس أبلغ دلالة على ذلك أن يتضمن البيان “التأسيسي” لخلوة سيدة البير “مقررات مُرجأ اعلانها” أبرزها: “إعتماد تعددية المجتمع اللبناني، بتراثاتها وحضاراتها الأصيلة أساسًا في البيان السياسي الجديد للبنان الموحد، تعزيزًا للولاء المطلق له، ومنعًا للتصادم بين اللبنانيين، بحيث ترعى كل مجموعة حضارية فيه جميع شؤونها، وبخاصة ما تعلق منها بالحرية وبالشؤون الثقافية والتربوية والمالية والأمنية والعدالة الإجتماعية، وعلاقاتها الثقافية والروحية مع الخارج وفقاً لخياراتها الخاصة”.


والجبهة اللبنانية التي شهدت خضات كبيرة، بقيت صامدة تعكس وجدان جماعة مسيحية كبيرة، لكنها وضعت نقطة على آخر سطر من تجربتها مع وفاة آخر مؤسسيها، شمعون ومالك عام 1987، ودخول البلد في خضم مغامرات وتجارب أخرى لم تعرف، بدورها، الإجابة على ذاك السؤال الأبدي المكرر: أي لبنان نريد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى