اخبار محلية

التفرغ” بالجامعة اللبنانية: كلية الآداب أمُّ الفضائح

ما هو حاصل في ملف التفرغ، الذي ما زال ينازع في مكتب وزير التربية عباس الحلبي، يرتقي إلى مستوى الفضيحة من العيار الثقيل. والسبب أن تضخيم الملف ليشمل كل المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، في وقت لم تجر أي دراسة للحاجة الفعلية للتعاقد، أدى إلى تعقيدات يستشف منها أمران. الأمر الأول، هو أن الهدف من تضخيم الملف عدم إقراره من الأساس. والأمر الثاني، هو أن الهدف من تضخيم العدد زرع قنابل موقوتة، تبرر إعادة تركيب أسماء الأساتذة المُراد تفريغهم كحصص سياسية، من دون أي معيار لحاجة الجامعة. هذا أقله ما يستشف من طريقة رفع ملف كلية الآداب. فصحيح أن هذه الكلية هي الأكبر في الجامعة اللبنانية، إلا أن عدد الأساتذة المتعاقدين فيها لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال. ذاك أن التبرير الوحيد لرفع ملف يضم أكثر من 360 متعاقداً لتفريغهم، هو أن الكلية بمثابة مسرح مفتوح للمحسوبيات والزبائنية.

في دراسة ملف التفرغ في مكتب وزير التربية منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، تبين أن مشكلة كلية الآداب معقدة جداً. لكن تعقيدات الملف كثيرة، وأتت بسبب عدم طلب رئيس الجامعة من العمداء رفع ملفات المتعاقدين بحسب حاجة الكليات. لم يطلب منهم دراسة للحاجة من الأساس. بل طلب منهم رفع أسماء كل المتعاقدين لديهم. وعندما اجتمع معهم لم يسأل عن الحاجة. حتى أنه عندما تمت مفاتحته من بعض العمداء عن الحاجة وضرورة تخفيض عدد المُراد تفريغهم، لم ينصت مفضلاً رفع جميع الأسماء. 

تتجلى هذه التعقيدات في كلية الآداب. فأي دراسة ولو سريعة للحاجة الفعلية للتعاقد (أي قبل الحديث عن التفرغ)، كان بالإمكان تخفيض العدد إلى أكثر من النصف. ما قد يتسبب بثورة فعلية في الكلية في حال تم صرف جيش المتعاقدين. فما حصل أنه منذ إقرار ملف التفرغ في العام 2014 جرى نفخ الكلية بمتعاقدين من دون أي حاجة. وتم تشعيب مواد في اختصاصات لا يوجد فيها طلاب، لتبرير التعاقد مع أساتذة جدد. ولعل أحد أسباب “تطيير” العميدة هبة شندب من منصبها هو عدم إقدامها على توقيع عقود جديدة منذ تسلمها العمادة منذ نحو عام. فكل عقود “الحشو” في هذه الكلية جرت الخلال السنوات التسع الأخيرة، ومن دون مراعاة لتراجع عدد الطلاب بشكل مضطرد. ومن دون الالتفات إلى أن صفوفاً تفتح لطالب أو إثنين ويخصص لهم أكثر من عشرة أساتذة.

لا يوجد حاجة لتفريغ مئات الأساتذة في الآداب (وغيرها) بل ولا للتعاقد من الأساس مع هذا العدد. والإصلاح يقتضي إلغاء عقود عشرات الأساتذة في كل فرع، ولا سيما في الفرع الخامس والأول والثالث وحتى الثاني. وأم الفضائح في هذه الكلية هي في اختصاصات الفلسفة والتاريخ، حيث أعداد الأساتذة أكبر من عدد الطلاب. ورغم ذلك جرى التعاقد مع أساتذة طوال السنوات الفائتة. أما في قسم اللغة الفرنسية في الكلية فحدث بلا حرج، تقول مصادر مطلعة. ففي الفرع الخامس في صيدا، يوجد أساتذة في ملاك الجامعة بلا نصاب، ولا يعلمون أي ساعة، ورغم ذلك جرى التعاقد مع نحو عشرة أساتذة. وفي مسارات (تخصصات) الماجستير في التاريخ (قديم ووسيط ومعاصر) يوجد ثلاثة طلاب في مسار وطالب في مسار وطالبين في مسار، فيما عدد الأساتذة يزيد عن 12 أستاذاً. ليس هذا فحسب، بل جرت وساطات لرفع عدد ساعات عقود تم عقدها مع أساتذة متقاعدين، فيما الأساتذة المتعاقدون في مقتبل العمر لا ترفع عدد ساعات تعاقدهم. كما أنه في الاختصاصات مثل علم النفس، التي يوجد فيها طلاب، وهي بحاجة لأساتذة، لا يوجد عقود مع أخصائيين نفسيين، ويستعاض عنهم بتخصصات أخرى.

في الملف الذي رفعه الرئيس لهذه الكلية يوجد ما لا يقل عن 200 متعاقد لا عمل لهم في الجامعة، في حال جرت إصلاحات لإعادة مسار التعاقد والتفرغ حسب حاجة الكلية، هذا قبل البحث عن حاجة سوق العمل. لكن ما حصل أنه رفع ملفاً يضم نحو 369 متعاقداً، مكتفياً بتدوين ملاحظات حول عقود الأساتذة الذين يحملون اختصاصات علمية وليس أدبية، وعن الموظفين الذين حصلوا على دكتوراه وتعاقدوا مع الكلية. أما بما يتعلق بالتوازن، فيضم نحو 32 بالمئة من المسيحيين مقابل 68 بالمئة مسلمين (36 بالمئة شيعة و29 بالمئة سنّة)، أغلبيتهم في الفرعين الأول والخامس.

الملف ما زال قابعاً في مكتب وزير التربية. وتقول مصادر مطلعة أن الوزير ربما أخطأ عندما أعطى لجنة الأساتذة المتعاقدين مهلة أسبوعين لرفع الملف. فآلية العمل تستوجب مهلة لا تقل عن ثلاثة أسابيع، حسب إيقاع العمل لإعادة تشكيل الملف في كل كلية، حيث يصار إلى تطبيق المعايير بطريقة حسابية على برنامج الكتروني. والمعايير هي الأقدمية والحاجة والكفاءة والتوزان الطائفي وغيرها. وأبلغ دليل على الحاجة لأسبوع إضافي هو تحديد موعد اللقاء مع الرابطة المارونية الإثنين المقبل. إذ يفترض أن يقدم الوزير بيانات جاهزة ليعرضها على المجتمعين حول  التوازن الطائفي.

وحول الكلفة المالية للتفرغ والتي ربما تستدعي تأجيله، تؤكد المصادر أن لا إشكالية في التمويل. فصحيح أن الأستاذ الذي سيدخل إلى التفرغ سيتلقى مستحقات الرواتب السبعة وبدل الإنتاجية بالدولار وباقي المستحقات، إلا أن مباشرة تطبيق مرسوم التفرغ في الجامعة، بعد إقراره من مجلس الوزراء، لن يتم قبل الشهر العاشر، أي مع بداية العام الدراسي المقبل. 

وليد حسين-المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى